الحديث السادس والثلاثون ...
عن ابي هريرة – رضي الله عنه قال- عن النبي صلى الله عليه و سلم قال - من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا و الآخرة ، و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . و من سلط طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا الى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله في من عنده ، و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه - رواه مسلم بهذا اللفظ .
*الشرح :
قال النووي – رحمه الله تعالى – في الأربعين النووية الحديث السادس و الثلاثون عن أبى هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم قال -من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة -- و الكرب يعني : الشدة و الضيق و الضنك ، و التنفيس معناه : إزالة الكربة ورفعها ، وقوله -من كرب الدنيا - يعم المالية و البدنية و الأهلية و الفردية و الجماعية .
- نفس الله عنه - أي : كشف الله عنه و أزال.
- كربة من كرب يوم القيامة - و لا شك أن كرب يوم القيامة أعظم و أشد من كرب الدنيا ، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة .
- ومن يسر على معسر- أي : سهل عليه أزال عسرته .
-يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة - و هنا صار الجزاء في الدنيا و الآخرة و في الكرب كربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا .
-ومن ستر مسلما - أي : ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أو دينيا أو دنيويا إذا ستره و غطاه حتى لا يتبن للناس .
- ستره الله في الدنيا و الآخرة - أي : حجب عيوبه عن الناس في الدنيا و الآخرة .
ثم قال صلى الله عليه و سلم كلمة جامعه مانعة قال - و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه - أي : ان الله تعالى يعين الإنسان على قد معونته أخيه كما و كيفا و زمنا ، فما دام الإنسان في عون أخيه فالله في عونه ، و في حديث آخر -من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته -.
و قوله -من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة - يعني : من دخل طريقا و صار فيه يلتمس العلم والمراد به العلم الشرعي سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، لان الإنسان علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها ، و معلوم أن الطريق الموصل إلى هو شريعته ، فإذا تعلم الإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة .
-و ما اجتمع قوم قي بيت من بيوت الله - المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجد قال الله تعالى [ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...][النور36] و قال تعالى [ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ][الجن18] ... و قال : [ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... ][البقرة114] ... فأضاف المساجد إليه ؛ لأنها موضع ذكره .
قوله -يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم - يتلونه : يقرءونه و يتدارسونه أي : يدرس بعضهم على بعض ،
-إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة - نزلت عليهم السكينة يعني : في قلوبهم و هي الطمأنينة و الاستقرار ، و غشيتهم الرحمة : غطتهم و شملتهم
-و حفتهم الملائكة - صارت من حولهم . - و ذكرهم الله فيمن عنده- أي : من الملائكة .
-ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه- أي : من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه و لا يرفعه و لا يقدمه و النسب هو الانتساب إلى قبيلة و نحو ذلك .
*في هذا الحديث فوائد : الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم - من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة -.
* ومن فوائده : الإشارة الى يوم القيامة و أنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ][الحج1-2]
*و من فوائد هذا الحديث : تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين و يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
*و من فوائد الحديث : الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله صلى الله عليه وسلم -من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخر - و التيسير على المعسر يكون بحسب عسرته ؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسير عليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من إنظاره ، و التيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثواب وغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان .
*ومن فوائد هذا الحديث : الترغيب في ستر المسلم لقوله صلى الله عليه و سلم -من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخر - و المراد بالستر : هو إخفاء العيب ، و لكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة و لم يتضمن مفسده ، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان معروفا بالشر و الفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسان المعروف بالشر و الفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منه ما جرى هذا هو الذي يسن ستره .
*ومن فوائد هذا الحديث : الحث على عون العبد المسلم و أن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه لقوله صلى الله عليه وسلم -و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه - وهذه الكلمة يرويها بعض الناس : ما دام العبد و لكن الصواب ما كان العبد في عون أخيه كما قال صلى الله عليه وسلم .
*ومن فوائد الحديث : الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليه وسلم -من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة - و قد سبق في الشرح معنى الطريق و أنه قسمان حسي و معنوي .
*ومن فوائد الحديث : فضيلة اجتماع الناس على قراءة القران لقوله -و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله .. الخ - .
* ومن فوائد الحديث : أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي : في مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها .
*ومن فوائد الحديث : بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة و هي الطمأنينة القلبية و تغشاهم الرحمة أي : تغطيهم و تحفهم الملائكة أي : تحيط بهم من كل جانب و يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عن ملأ ، و قد قال الله تعالى في الحديث القدسي -من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم- .
*من فوائد الحديث : أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله -من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه -
*ومن فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه و أن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى .
ــــــــــ
الحديث السابع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يريه عن ربه تبارك و تعالى قال - إن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بين ذلك : فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة- رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما بهذه الحروف .
*الشرح :
الحديث السابع و الثلاثون عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال - إن الله كتب الحسنات و السيئات - إذا عبر الصحابي بمثل هذا التعبير أي عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فإنه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا ،
و قوله - إن الله كتب الحسنات و السيئات - أي : كتب ثوابهما و كتب فعلهما فهو الذي كتب الحسنات ؛ لأن الله تعالى حين خلق القلم قال له - اكتب قال : رب ، و ماذا اكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة - و ظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة الثانية ، و هي كتابة الثواب لقوله - ثم بين ذلك - أي : و ضحه بالتفصيل
فقال - فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كالمة - الهم يعني : الإرادة ، أراد الإنسان أن يعمل حسنة و لكنه لم يعملها .
*ففي هذا الحديث فوائد : أن الله كتبها حسنة كاملة يعني : لا نقص فيها . و قد دلت الأدلة على أنه إذا هم بالحسنة فلم يعملها فإن كان عاجزا عنها أي : تركها عجزا بعد أن شرع فيها فإنه يكتب له الأجر كاملا لقوله تبارك و تعالى [.... وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ ... ][النساء100] . و أما إذا هم بها ثم عدل عنها لكسل أو نحوه فإنه كذلك كما في هذا الحديث يكتب له حسنة كاملة و ذلك بنيته الطيبة ، قال - و إن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف على أضعاف كثيرة - إذا هم بها و عملها وأحسن في عمله بأن كان مخلصا متبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله يكتبها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة و هذه المضاعفة تأتي بحسب حسن العمل و الإخلاص فيه و قد تكون فضلا من الله سبحانه و تعالى و إحسانا .
قال تعالى [ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ][البقرة261] و قال - و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة - و إن هم بسيئة فلم يعملها فإنه يكتب له حسنة كاملة و ذلك فيما تركها لله كما في بعض ألفاظ الحديث - لأنه تركها من جرائي - أي : من أجلي و قد دلت الأدلة على أن من هم بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاث أقسام :
القسم الأول : أن يحاول فعلها و يسعى فيه و لكن لم يدركه لأن يكتب عليه وزر السيئة كاملة
القسم الثاني : إن بها ثم يعزف عنها لا خوفا من الله و لكن لأن نفسه عزفت فهذا يكتب له و لا عليه .
القسم الثالث : أن يتركها لله عز و جل خوفا منه و خشية فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة .
قال - و إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة كاملة - و يشهد لهذا قوله تعالى [ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ....][الانعام160] و هذا الحكم بالنسبة للسيئة أي : أنها تكون سيئة واحدة في مكة و غيرها و في كل زمن إلا في الأشهر الحرم و لكنها في مكة تكون أشد و أعظم لهذا قال الله تعالى [ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ....][الحج25]
و قال العلماء : إن الحسنات و السيئات تضاعف في كل زمن فاضل و في كل مكان فاضل و لا تضاعف بالعدد لقوله تعالى [ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا... ][الانعام160] و لهذا الحديث الذي ساقه المؤلف – رحمه الله – إن الله يكتبها سيئة واحدة .قال المؤلف : رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف . أي : أن المؤلف – رحمه الله – ساقه بلفظه وأكد ذلك – رحمه الله – لما في الحديث من البشارة العظيمة و الإحسان العظيم .
*ومن فوائد الحديث : حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا .
* ومن فوائده : أن الله سبحانه و تعالى كتب للحسنات جزاء و للسيئات جزاء ، و هذا من تمام عدله و إحكامه جل و علا للأمور .
*ومن فوائد الحديث : أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، و أما السيئة فواحدة .
*ومن فوائد هذا الحديث : الفرق بين الهم بالحسنة و الهم بالسيئة فالحسنة إذا هم بها الإنسان و لم يعملها كتب الله عنه حسنة كاملة و هذا مما إذا تركها لغير عذر فإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية و إذا كان من عادته أن يعملها و لمكن تركها لعذر فإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية و العمل ؛ لحديث - من مرض أو سافر له ما كان يعمل صحيحا قائما - . أما السيئة فالهمام بها إذا تركها لله عز وجل كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن تركها له و لا عليه ، و إن تركها عجزا عنها كتب له وزر الفاعل بالنية إلا إذا كان قد سعى فيها و لكن عجز بعد السعي فإنه يكتب له عقوبة السيئة كاملة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار - قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال - لأنه كان حريصا على قتل صاحبه - .
ــــــــــ
الحديث الثامن والثلاثون ...
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى قال : من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه - رواه البخاري .
*الشرح :
قوله - إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب - هذا الحديث حديث قدسي لأن النبي صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه و كل حديث رواه النبي صلى الله عليه وسلم عم ربه يسمى عند العلماء حديثا قدسي . المعاداة ضد الموالاة ، و الولي ضد العدو و أولياؤه سبحانه و تعالى هم المؤمنون المتقون و دليله قوله و تعالى [ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63]
و قوله -آذنته - يعني : أعلمته أي : إني أعلنت الحرب ، فيكون من عادى و ليا من أولياء الله فقد آذن الله تعالى بالحرب و صار حربا لله ، ثم ذكر تبارك و تعالى أسباب الولاية فقال - و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه - يعني : ما عبدني أحد بشيء احب إلى مما افترضته عليه لأن العبادة تقرب إلى الله سبحانه و تعالى فمثلا ركعتان من الفريضة أحب إلى الله من ركعتين نفلا ، و درهم من زكاة احب إلى الله من درهم صدقة ، حج فريضة أحب إلى الله من حج تطوع ، صوم رمضان أحب إلى الله من صوم تطوع ، وهلم جرى ولهذا جعل الله تعالى الفرائض لازمة في العبادة مما يدل على آكاديتها و محبته لها .
-و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل - يعني : الفرائض و الفعل - لا يزال - يدل على الاستمرار يعني : و يستمر -عبدي يتقرب إلي بالنوافل - يعني : بعد الفرائض حتى أحبه الله ، -حتى- تحتمل هنا الغاية و تحتمل التعليل فعلى الأول يكون المعنى : أن تقرب إلى الله بالنوافل ويكون هذا التقرب سببا لمحبته و الغاية واحدة ،
-فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به - أي : سددته في كل ما يسمع فلا يسمع إلا ما فيه الخير له و ليس المعنى أن الله يكون سمع الإنسان لأن سمع الإنسان صفه من صفاته أي: صفات الإنسان محدث بعد أ، لم يكن ، و هو صفة فيه أي : في الإنسان و كذلك يقال في بصره الذي يبصر به أي : أن الله فيما يرى إلا ما كان فيه خير و لا ينظر إلا إلى ما كان فيه خير .
-و يده التي يبطش بها - يقال فيها ما سبق في السمع أي : أن الله تعالى يسدده في بطشه و عمله بيده فلا يعمل إلى ما فيه الخير .
-و لئن سألني - أي : دعاني بشيء و طلب مني شيئا لأعطينه .
-و لئن استعاذني لأعيذنه - فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب ، و الاستعاذة التي بها النجاة من المهروب و أخبر أنه سبحانه و تعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل يعطيه ما سأل و يعيذه مما استعاذ .
من فوائد الحديث : و أعني الحديث الثامن و الثلاثين فيه فوائد أولا : إثبات الولاية لله عز و جل أي : أن لله تعالى أولياء و هذا قد دل عليه القرآن الكريم قال الله تعالى : [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63] .
*ومن فوائد الحديث : كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله بالحرب .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب لأن الله جعل ذلك إيذانا بالحرب .
*ومن فوائد الحديث: أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله -وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه - .
*ومن فوائد الحديث : الإشارة إلى أن أوامر الله عز وجل نوعان : فرائض ، نوافل .
*ومن فوائد الحديث : إثبات المحبة لله عز و جل لقوله - أحب إلي مما افترضته عليه - و المحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل ومن ثمراتها الإحسان إلى المحبوب و ثوابه و قربه من الله عز و جل .
*ومن فوائد الحديث : أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها .
*ومن فوائد الحديث : الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة و الجماعة من أن الإيمان يزيد و ينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها يلزم من هذا أن الإيمان يزيد و ينقص بحسب تفاضلها .
*ومن فوائد الحديث أن في محبة الله عز وجل تسديد العبد في سمعه و بصره و يده و رجله مؤيدا من الله عز وجل .
*ومن فوائد هذا الحديث : أنه كلما ازداد الإنسان تقربا إلى الله بالأعمال الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه و اعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في الحديث - و لئن سألني لأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه
ــــــــــ
الحديث التاسع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ، و ما استكرهوا عليه - حديث حسن رواه ابن ماجه و البيهقي و غيرهما.
*الشرح :
قوله - تجاوز - بمعنى : عفا ، - الخطأ - فعل الشيء عن غير قصد ، - النسيان - ذهول القلب عن شيء معلوم ، و الاستكراه إلجاء الإنسان ، وهذه ثلاثة أشياء بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز عن أمته هذه الأشياء الثلاثة و قد دل على ذلك القرآن قال الله تعالى [ ...رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... ][البقرة286] فقال الله : قد فعللت ، و قال الله تعالى : [ ...وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... ][الأحزاب5] و قال تعالى [ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ][النحل106 .
*فيستفاد من هذا الحديث فوائد :
منها سعة رحمة الله عز وجل و أن رحمته سبقت غضبه ، و منها أن الإنسان إذا فعل الشيء خطأ فإنه لا يؤاخذ عليه و لكن إن كان محرما فإنه لا يترتب عليه إثم و لا كفارة و لا فساد عبادة و قع فيها ، و أما إن كان ترك واجب فإنه يرتفع عنه الإثم و لكن لا بد من ترك تدارك الواجب .
*ومن فوائد الحديث :
أن من أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا يؤاخذ به لقوله - وما استكرهوا عليه - و هذا عام سواء كان الإكراه على فعل أو على قول و لا دليل لمن فرق بين الإكراه على الفعل و الإكراه على القول ، ولكن إذا كان الإكراه في حق آدمي فإنه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية مثل : أن يكره شخصا على قتل شخص آخر فإنه يقتل المكره و المكره لأن الإكراه لا